الاثنين، 22 يوليو 2013

حينما تتمرد عازفــة الكمان..




هي حالمــة طوال الوقت.. أمام الكمـان و بدونه..تجدها دوماً بين السحاب مُحلقة فهي ليست من هواة الهبوط على الأرض ..

هو واقعي كل الوقت.. دوماً ما يستنزفه  في ضبط أنفاســه و سد ثقوب الناي بخجلـه وتردده ونظرته السوداوية للحياة...

قد يبدو عزفه منفرداً.. عذباً إلى حد كبير..

ولكن حين يشاركها العزف لا يوجد بينهما حد أدنى من التناغم..

.
كيف لعازفــة كمان أن تعشق عازفاً للناي.. ولا يصلح أن تجمعهما يوماً سيمفونيــة مشتركــة..

لا أحد حولها يستطيع تفهم ذاك حتى والدها مايسترو الفرقة الكبير ..

عندما يتعلق الأمر بابنته يرمي خلف ظهره كل ما تعلمه من أصول قيادة الأوركسترا.. حد إنكاره لأصول التناغم بين الآلات الموسيقية..

.
في لحظة مــا, قررت التمرد على نشاز الناي وإقتحامه لمعزوفتها ..

قررت ألا تكون مجرد عازفـة في فرقــة أي كان قائدها..

قررت أن تقود هي عزف مقطوعتها وحدها وتختار ما يتناغم مع كمانهــا...

لم تأبه كثيراً بما سيقوله الجاهلين بنوتة الموسيقى...وهم حولها كُثر

وحدها ستتحمل نجاح أو فشل تجربتها حتى النهايــة ........مهنــد فوده

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

ومنحها ذات يوماً ..جناحي فراشة.



(1).
وتركها قبل الأرتواء منه ...رجل يعلم جيداً متى يُبقِي ضحيته مشتعلة بحبه ...نظر لساعته فجأة و نهض واقفاً..تركهــا بحجة انه ينتظره موعد عمل ...تمنعهــا أنوثتهــا ان تستبقيه ولو لدقائق أخرى ..ودت في تلك اللحظة أن تقتل عقارب ساعته التي لدغتهــا على غفلــة... قتلت آمالهــا بقضاء ساعة في قربـــه.. لقد عانت كثيراً وهي تخطط منذ اسبوع لهذا اللقاء..فكيف له في ميعادهــا أن يدع شئ أخر يشاركهــا فيه ؟!...
بدا الامتعاض جلياً على وجههــا وهي تصافحه ... ومشت خلفه ببطء تودعــه .. تشيع معه أحلامهــا ..و ترثي حظهــا العاثر معه .. يكاد اليأس أن يفتك بهــا عندما تفكر كيف ومتى ستراه مرة أخرى... 
خلف النظارة السوداء ...سقطت دمعة من عينيهــا ..كان يمشى أمامهــا ولكنه سمع صوت ارتطام دمعتهــا بالأرض ...ابتسم في خبث وهو يعلم أن اليرقــة أوشكت على النضوج ...في الميعاد اللاحق سيقابل فراشــة نما لهــا جناحين ملونين...من الآن عليه أن يخطط كيف سيشعل النار فيهمـــا ؟!!..

(2).
خلال أسبوع اتصلت به ست مرات .. لم يرد عليهــا سوى مرتين ... الأولى أخبرهــا على عجل انه في اجتمــاع وسيتصل بهــا فور الانتهاء منه كعادته ولم يتصل...والمرة الثانيــة اتفقا على اللقاء في ذاك المطعم .. رجته ان يتفرغ لهــا يومهــا ووعدهــا بتحقيق ذلك..
.
في اليوم الموعود .. جاء في موعده وانتظرهــا لقُرابــة النصف ساعة ولم تأتِ ...حاول الاتصال بهــا كثيراً ولكن هاتفهــا كان مغلقاً ... بعد نصف ساعة أخرى غادر المطعم غاضباً بعد ان تلقى رسالة نصية منهــا تعتذر لعدم الحضور لظروف منعتهــا ...حاول مكالمتهــا مراراً ولم يفلح ...أقسم انه سيعاقبهــا بطريقته حينما يراها أو تتصل ...
و الغريب انهــا لم تأتي إليه أو تتصل كما توقع لتعتذر و تلتمس منه الغفران عن فعلتها..
قبل أن يجن و يفقد عقله... ذهب إليهــا في محل عملهــا..قابلته على عجل وطلبت منه الانصراف لانها مشغولة جداً... رأت لأول مرة اللهفة في عينيه ...شعرت لأول مرة بناراً تشتعل في داخله خوفاً من فقدهــا .. أو لربما قلقاً من إفلات زمام الفراشة من بين يديــه ...
بالفعل ...لقد نما لها جناحين ملونين.. حلقت بهما بعيداً عن قبضته بعد أن أشعلت النار في كلتا يديه ...

(3).
لقد أصبحت (هي) بالنسبة (له) مسألة ثأر للكرامــة لا أكثر .. كرامة مخدوشة لرجل لا يتباهى في مجالسه سوى بمغامراته و فتوحاته الرجاليـــة ...فكيف لفتاة صغيرة مثلهـــا ان تلهو بتاريخه الكبير... قرر أن يعيد مخططاته ...يسّن أسلحته ويعيد ترتيب صفوفه من جديد...
بدا لطيفاً معهــا في مكالماته ...ودوداً ...صبوراً لأقصى حد و أكثر مما كانت تريد...
فلما لا تمنحه فرصة و تحاول معه من جديد ؟!...
اتفقـــا على اللقاء في مطعم آخر أنيق ...تأخرت عن ميعادهـــا رُبع ساعة لا أكثر "لزوم أناقة لابد منها مع رجل مثله يقدس المواعيد " ...حاول أن ينفث غضب تأخيرها في سيجارة كوبي ..أطفأهــا لحظة عبورهــا باب المطعم ...
وقف لهــا ...قبّل يدهــا .. حمل عنها مِعطفهــا ..وأجلسهــا على مقعد في مواجهة مقعده ...بدت غير مصدقــة تحولــه ..وبحذر بدأت تنزع أسلحتها أمامه رويدا رويداً كلما ابتسم لها أكثر وضحك بود شديد ...طلب منها رقصـــة تانجو...
قالت له : لا أتقنها جيداً ...
قال : استسلمي لوقع خطواتي فقط ...واتركي نفسك بين ذراعي ...
ضحكت قائلة: لامانع ..ولكن احذر كعب حذائي....
خلا المرقص من كل الثنائيات دونهما...تركوا الساحة احتراماً لذاك العزف الفريد ...أما هو فلقد أدهشته للمرة الأخرى ببراعتها في الرقص معه ...كانت له نِداً بـ نداً ...خطوات استباقية وهجومية منها ..يقابلها خطوات متراجعه دفاعية منه والعكس..
كل من تابعهما ..أشاد بكيميــا وتناغم قلما وجد بين الثنائيات في رقصة تانجو " وعزوه من فرط تأثير الحب "...ولكن لا أحد يعرف انهـــا بداية لحرب ناعمة شرقية دقت طبولها " الأن "مع أنغام رقصة التانجو اللاتينية .. ......

(4).
ما أروعه صباح ؟! أن تتفتح عينيها على باقة زهور كهذه ...و ما أجمله من يوم تفتتحه بالهدايــا ؟!.

مع باقة الزهور البيضاء الرائعة فستان سهرة أسود أنيق ..مرفق معهما كارت خط فيه " أهدى زهور الزنبق البيضاء لأجمل زهرة في حياتي, دمتِ لي في بستان الزهور متألقة عاماً بعد عام . في انتظارك الليلة لنطفئ شمعة عيد ميلادك معاً (مركب بلو نايل العائم في النيل - مطعم "موون دِك" على ظهر المركب- الساعة الثامنة والنصف) , من الآن سأكون يا حبيبتي بانتظارك "
كادت أن تقفز من السعادة وهي تحتضن باقة الزهور وتراقص الفسنان الأسود ...قررت ألا تذهب لعملها اليوم ...فتلك السهرة بحاجة إلى استعداد خاص ... اتصلت بزميلتها في القسم وطلبت منها أن تقدم لها على اجازة مرضية ..
في المساء ..كانت متألقة كالسندريلا تجلس في مقعد خلفي بسيارته الفارهه يقودها سائقه بسرعة البرق نحو الأمير الذي ينتظرها على شط النيل الآخر بجزيرة الزمالك ...
كالحلم ..لا تدري حقاً إن كانت ذاهبة إليه في عربة تجرها الخيول الستة على الأرض ..أم عربة تحملها الجنيات السبع لتحلق بها في سماء القاهرة و بين نجومها ...
بعد ربع ساعة كانت بين يديه ..كان ساحراً كعادتــه بأناقتــه الكاملة وسيجاره الكوبي المشتعل دوماً بين اصابعه ..كان متألقاً في ترحيبه بها و بكلمات الغزل المتوهجة التي أطلقها على مسامعها فور قدومها ...
لفرط تأثرها بكلماته قررت أن يكون "اليوم " هو يوم هُدنــة من الحرب الدائرة دوماً بينهما ...ألا تُفسد ليلة كهذه بعنادهــا المعتاد له ..ومعارضتهــا له في الأمور التي تستحق أو التافهة ..كانت تريد أن تستمتع بكل دقيقة معه في هذا المكان الفريد...كانت تحلم ..وتريد...وتتمنى.. ولكن لسوء حظها فالأمور لم تجرِ كما كانت تنشد و تهوى ...

(5).
قطع حديثهما الخافت على ضوء الشموع.. فتاة شقراء جريئة في مظهرها وتصرفاتها... أقبلت تصافحه بالعناق و القبلات... يبدو انها لم تره منذ مُدة... مشتاقة إليه كما عبرت عن ذلك صراحة وكما تحادثه بهذا الشوق الكبير... إنها لم تراعِ تلك الجالسة بجواره... تجاهلت إلقاء التحية عليها أو حتى النظر نحوها... طال الحديث بينهما أكثر من اللازم حتى باتت تشعر بالحرج... وأخيراً انصرفت بعد ربع ساعة من الحديث الأكثر من ودي ...يبدو أنها الأخرى كانت إحدى زهرات البُستان ..و ربما أهدى لها هي الأخرى زهوراً في عيد ميلادها وأهداها فستان...
 إنه يتباهى بأنه عالِم في الزهور متخصص فيها... يقول أن للزهور لغة لا يفهمها سواه... وأن لكل امرأة زهرة تُجسدها ..فمن المؤكد انه استنشق عبير الزهور جميعها ليكون لهذا الحد خبيراً فيها...
بدأت الحرائق تزداد اشتعالاً في أعماقها ...حاولت ألا يبدو لها أي أثر على وجهها فلم تسأله من هي؟ وما حدود علاقته بها ؟.. قررت حذف تلك الربع ساعة من شريط يومها مؤقتاً... ولكنها أقسمت أنه سيكون حسابها عسيراً... سيضاف إلى رصيده لاحقاً ...

.(6)
لم يمر سوى خمس دقائق حتى عادت الشقراء مرة أخرى تطلب منه أن يشاركها رقصة ثنائية .. ولم يمانع في الاستجابة لها بعد ان استأذن الجالسة برفقته "إذناً شكلياً" ...
 جلست وحيدة على الطاولة تسبُه "هو" وتلعنها "هي" ...تلوم نفسها على تلك الهدنة مع رجل كهذا ...على تلك النكسة التي لحقت بها جراء استجابتها لدعوة العشاء معه وارتدائها فستاناً من اختياره ..قررت قطع الهدنــة فوراً والإعداد لهجمة مرتدة لحظة أن اقترب منها شاب يطلب مشاركتها تلك الرقصــة ..بدا لها من الوهلة الأولى انه ثقيل الظل ولكن لا رفاهية لديها لاختيار بديل أفضل (فلقد جاء في وقته تماما) ..
 في ثوانٍ معدودة كانت ترقص معه بجوارهما على المرقص ..تجاهلتهما ولم تنظر نحوهما إطلاقاً ...ولكنها شعرت من طيف خطواته الراقصة حولها انه يتابعها ... كان شريكها الراقص يُحادثها ..كانت تبدو لمن يرها أنها مُصغية إليه و سعيدة بحديثه ...ولكنها لم تكن تدري ماذا يقول هذا التافه ؟ و بماذا يثرثر لها ؟ ...لم يكن بوسعها أن تجيب حديثه .. فقد كانت تشاركه الرقص بجسدها فقط ...وعقلها كان مع الثنائي المجاور "الشقراء اللعينة ورفيقها الخائن" ...
وفجأة ..إذا بشريكها يدهس قدمها دون قصد ...فصرخت بصوت قوي مسموع ترددت أصدائه في أرجاء المطعم ..على إثره تلقى لكمة قوية في وجهه أردته ارضــاً..يبدو ان رفيقها ظن من صرختها خطأ أنه تحرش بها وهو يراقصها ...
وتحول المرقص في ثوانٍ إلى معركة كبيرة بينه وبين أصدقاء الشخص المضروب ..لم يطل تصدره فيها لأنه تلقى دعم سريع من طقم حراسته الشخصية...وبدأت الكؤوس والصحون في التطاير ... قررت أن تحضر حقيبتها وتنجو بنفسها.. وجدته يجري ورائها منادياً عليها ...نظرت له بغضب ولم تُجبه ...وقفزت بداخل أول تاكسي رأته ...
رغم النهاية المأساوية لليلة عيد ميلادهــا إلا أنها كانت تبتسم في نشوة وهي تشعر بتحقيق انتصار عليه في تلك الجولة القصيرة المباغتة ... أكثر ما أسعدها حقاً هو اكتشافها "غيرته عليها" ..إنها نقطة ضعف في جبهة خصمها .. ستكون هدفاً منشوداً لهجماتهــا اللاحقة..

(7) .
كيف ليرقة وديعة أن تتحول لفراشة بتلك الشراســة ...كيف يمكن أن ينمو للجميلات أنياب ؟! ...وكيف للدهاء أن يعرف طريقاً لتفكيرهن ! ...
 في يوم تلا ليلة عيد ميلادها التي كانت مفعمة بالمعارك والأحداث...
حادثها في الهاتف...فأجابه صوتاً رجالي فسأله بعنف : من أنت ؟! ..
أجابه الطرف الأخر بأنه زميلها في العمل ...
دون أن يشعر قال له : ومن أذِنَ لك بالرد على هاتفها ؟! .
رد الآخر بارتباك : هي تركته لي ريثما تعود من عند المدير ...
أغلق الهاتف في وجهه ...و سبهما وتوعد لها ...
انتظرها لنصف ساعة تهاتفه ولم تتصل ...
ترك عمله على الفور ... وقاد سيارته بسرعة جنونية إليها محاولاً اللحاق بها قبل  انتهاء موعد دوامها ...
وقف بسيارته أمام باب مدخل الشركة المزدحم بخروج الموظفين..
بعد خمس دقائق من التأمل في الوجوه المغادرة والتفحيص, أستطاع أن يلتقط وجهها المختبئ خلف نظارة سوداء كبيرة من بين عشرات الوجوه ... بدت له في هيئة جديدة لم يعتادها  وهي تهبط درجات السلم ...
 أنيقة هي في كل الأوقات ...جذابة وهي ترتدي ذلك اليونيفورم و تروض شعرها الأسود للخلف...مُغرية أكثر من اللازم وهي ترتدي تلك الجونلة القصيرة .. كيف لها أن ترتدي جونلة كهذه ؟ !.. سيجبرها على ألا ترتديها مرة أخرى بعد اليوم ولو كلفه ذلك وظيفة بديلة لها بإحدى شركاته ..
لم يتبين له إن كانت لمحته من خلف نظارتها السوداء أم لا ؟! ..ولكنه فوجئ بها تكمل مسار سيرها بعيداً عن سيارته ...اتصل على هاتفها ولم ترد ..يبدو أنها لم تسمعه فهي منشغلة بالحديث مع هذا التافه "لابد أنه من رد عليَّ اليوم "...
.
ماذا يجب عليه أن يفعل ؟!...مكانته ومركزه المرموق لا يسمحان بأن ينزل من سيارته وينادي عليها في الشارع كمراهق صغير ينادي على حبيبته لحظة خروجها من باب المدرسة بصحبة رفيقاتها ..
.
أما هي فلقد شاهدته من خلف نظارتها ولم تلتفت إليه ...واستمعت لرنة هاتفها الخاصة به ترن من داخل حقيبتها وتجاهلت رنينه ...مشت بجوار زميلها وحادثته بحميمية وألفة غير معتادة بينهما لعلها بذلك تعاقبه وتغيظه ..
سألته بلطف عن مساره فأجابها ...فقالت له هو ذاته مساري خذني بطريقك إذا سمحت ...
 بعد عدة كيلومترات , وبعد أن أطمئنت من المرايا الجانبية أنه لا يتبعهما بسيارته ... طلبت من زميلها أن ينزلها على اليمين فلقد تذكرت فجأة ميعاد صديقتها الذي سهت عنه  ..
شكرته في قرارة نفسها كثيراً على تواجبه معها في دور أداه كما يجب وإن لم يعلم به أو يختره ..
قليل من الغيرة قد تفيد أحيانا هكذا قالت تُحدث نفسها وهي تركب التاكسي متجهه لمنزلها  منتشية بهدف أحرزته في مرماه اليوم ...
ولكنها لا تدري أن القليل من الغيرة قد يقود بعض الرجال للجنون ...وليس كل ما يسدد في مرمى رجل كهذا يحتسب هدفاً في معظم الأحوال............مهنـــد فوده.

(8).
حُجبت وسيتم نشرها لاحقاً في الكتاب بمشيئة الله تعالى.

(9).
كل منهما يكابر في الحب , كل منهما في سباق من النفس الطويل على من سيصبر أكثر ومن سيقص شريط هزيمته أولا ...
"هي" لم تعد تفارق هاتفـها , أوشكت أن تعلقــه بعنقها ..كل عدة دقائق تختبر شاشته الخالية من " مكالمة لم يرد عليها احد " ..
كجليسـة مريض على فراش الموت ..كل ساعة تتأكد من أنفاسه وانه لم يصبه عطل ومازال تنبض الحياة في جسده المعدني ...فتقيس قوة وضعف إشارة الشبكـة بعواطفها التي لم تعد تتحمل مزيداً من الصبر ..و كل عدة ساعات تُهاتف رقمها من هاتفها الأرضي ..فيرن كعادتـه ...يكاد يقسم لها انه سليم وأن لا ذنب له في إرجاء مكالمـة تنتظرها منذ أكثر من أسبوع ..
.
لا إراديا تبحث عن اسمه في سجل الأرقام  ..
تتحسس حروف اسمه وكأنها تتحسس ملامح وجهه ..
وكأن برؤية اسمه تتجسد لها صورته ..
وكأنها بإصبعها الرقيق تنبهه إليها .. تخبره أنها في أمس الحاجـة لسماع صوته ..
"قارب الأكسجين عن النفاذ يا طويل النفس ..وما عاد لي في حبك صبر ولا نفس " ..
.
تلمس زر الاتصال دون أن تضغط ...تطمئن نفسها أنها لو أرادت الاتصال ففي اقل من ثانية سيكون معها ..
ولكن يا تُرى كيف يتحمل هو بُعدها عنه ؟!..
أتشغل حيزاً من تفكيره مثلما يشغل هو كل تفكيرهــا ؟! ..ربما ..
.
على الطرف الأخر ..
"هو " يحاول إغراق نفســه في اجتماعات لا تنتهي..
وبين سطور الملفات التي يطالعها كل يوم يدفن تفكيره ..حتى عندما يصل إلى بيتــه ويضع رأسه على وسادتــه يخلد  إلى النوم في لحظات قليلــة ..
هكذا ظن أن ما يفعله وسيلة تمنعه من التفكير فيها يقظاً ..ولكن ابى عقله الباطن أن يتركها من ذاكرتــه في ساعات نومــه ..وكأنها تتحالف مع ذاكرته ضده ..فيذهب إرهاق اليوم كله سُدى عندما تتجلى في الحلم مُبهرة كعادتهــا ..ضحكاتها تتردد وكأن لاشيء حدث بينهما ..
يقضي ساعات الليل كله يحادثها بشوق كبير ...يخبرها بكل ما يريد متحرراً من قيود كبريائه ولوم رجولته المُهانة بسببها ...
يطول الحديث و كل ليلــة ينسى أن يُعاتبها ..لا يتذكر هذا إلا عندما يفارقها ويستيقظ  ..


ماذا يحدث له في نومــه لا يدري ؟! ..ولكنه على يقين أن تلك الحالة لم تداهمــه من قبل مع أي فتاة سبقتها ..هي ليست الأجمل ..ولكنها الأقوى سحراً و تأثيراً .....

(10).
إلى متى سيقاوم رغبته في مهاتفاتها لا يدري؟!, وإن كان على يقين أنه لن تطول المدة أبعد من ليلة غد...
في غيابهــا تأكد له مدى حُبــه لهـا, فغياب من تحبه كما تأثيره مُرهق على النفس, كما يعريها من غرورهـا, من كبريائها ,من زيف الحجج وتصلفها,
إنه يضع النفس في مواجهـة مباشرة مع احتياجات القلب المباشرة بلا مراوغـة أو كتمان.
 في عاصفـة تجتاحه من الشوق إليها ود لو صارحها بحبه..
ود لو طلب منها السماح والغفران ,ود لو يرجوها أن تمضي له على صك عهد ألا تتركه بعد الآن..
ولكن هو أقوى من يدع نفســه ورقــة في مهب عواصف مشاعر الحب المتقلبة, فتهوره ذلك قد يجعله ضعيفــاً أمامهـا لتزداد بضعفـه توحشاً وافتراســاً... 
عليه أن يترك للصبر مهمة ترويضها ولكن دون أن يُضيعها ...
فهو على درايــة كافيــة كيف تحوم فراشتــه حول النار تنتظره ..
سيتركها ليوم إضافي وسيتصل بها قبل أن تحرقها نيران الشوق وتضيع منه للأبد  ..
.
لكن الفراشـة لم تقو أن تنتظر أكثر, لربما لو كانت انتظرت حتى صباح غدٍ لكان اتصل بها قبل أن تتصل به..
ولكن هكذا هن النساء فالصبر عدوهن والانتظار يقتلهن بسكين بارد, إنه يذيب صلابة أي امرأة مهما بدت أمام الرجل قويـة,حتى لو أظهرت له أنها فولاذيـة البنيـة غير قابلـة للكسر و لا تتأثر بالصدمات........

الأربعاء، 20 مارس 2013

اللي يزرع حنية زهرة ..يحصدها ولو بعد حين !!


" قصة قصيرة " مبنية على أحداث حقيقيــة 
  
دخلت زهرة عليهــا غرفتها ..دنت منها وأيقظتها برفق .. وقالت لها : ميعاد الدواء يا أمي  ..
انتبهت لها أم محمد ..فتحت جفناها المتثاقلتين من تأثير جلسة أمس التي مازالت ألامها تسري في عظام جسدها كالمنشار..
أخذت تتحس رأسها وتعيد الايشارب الذي انزلق من رأسها الناعم رغم أن يدها قبل نومها كل ليلة تتمم على ايشاربها جيداً بحركة لا إرادية حتى لو اشتدت عليها أثار جرعة الكيماوي وغيبتها بعض الشئ ...فقد كانت تخشى أن يخيف رأسها العاري أحفادها الصغار أو يثير شفقة وعطف أولادها الذي لم يروها دون ايشارب منذ أن فُقدته رغما عنها منذ عدة شهور , وهو الكستنائي الناعم الذي طالما تباهت به خالي من الشيبة ..دون أن تمسه أي صبغة شعر ..
.
ساعدتها زهرة لكي تستعدل وضعها .. جلست مستندة على وسادة كبيرة وهي تجس على شفتيها بأسنانها من الألم الذي عاد مع حركة مفاصلها ... أمسكت زهرة لها كوب المياه وشربتها اياه بعدما وضعت لها كبسولات الدواء الواحدة تلو الأخرى في فمها ..ثم ابتسمت لها وقالت لها : بالشفا يا أمي ..ردت عليها أم محمد بابتسامة شاحبة كوجهها  .. وبوهن ربتت بكفها البارد على يد زهرة تشكرها ..
 فسألتها : ألن تُكملين نومك يا أمي  ..قالت لها : لا...فأنا أريد التحدث معكِ في أمر ما .. جلست زهرة على حافة السرير وقالت لها : خير يا امي .. ردت أم محمد : لا تقلقي .. افتحي الدولاب واحضري الشكمجية ..  قامت زهرة بإحضارها ...فتحتها أم محمد وأخرجت منها  مظروف مالي ثم قالت لها : هذا المبلغ لكِ .. أدخريه لنفسك ولا تقولي عنه شيئاً لأولادي فبالتأكيد ستحتاجين له غدا .. ومدت يدها بداخل الصندوق مرة أخرى ...وأخرجت سوار ذهبي قديم  ... وقالت لها : هذا السوار تتوارثه النسوة في عائلتنا ...انتقل من جيل لجيل وربما أنتِ الابنة السابعـة ...انه من الذهب البندقي ....انه ثقيل وربما لم يعد موضة ..ولكنه تاريخ كبير وسنوات طويلة .. تحكي كل عقلة فيه قصة أم وعيلة  ..انتقل من معصم أم لمعصم ابنتها ...وانا يا بنتي لم أُنجب بنتاً ولكن يعلم ربي أني أعدك ابنتي التي لم انجبُها...خُذيه مني وأهديه بدورك لأحن زوجات أولادكـ إن لم تُرزقي مثلي بالبنات... وأنا على يقين انك سترزقين بزوجة ابن تجعلك قرة عينيها مثلما فعلتي معي ووقفتي بجانبي في مرضي " اللي يزرع حنية يا بنتي يحصدها ولو بعد حين "..

 امتقع لون وجه زهرة ولم تنطق أو تمد يدها لتأخذه...قالت لها : اقبليه يا ابنتي من أجلي ..اقبليه كذكرى مني ... هذا أقل ما يمكن أن أعبر به لكِ عن حبي وامتناني ... قالت لها زهرة وصوتها بدأ يتهدج بالبكاء : ارجوكِ يا أمي توقفي عن هذا الكلام الذي يوجع قلبي ...أ كل ما فعلتيه من أجلي وتحتاجين لتعبري لي عن امتنانكـ ؟؟!!.. من منا الممتن للآخر؟؟ ..أنا الممتنة لكِ بعدد أيام زواجي ..بكل لحظة حب شعرت بها بالدفء في بيتك .. بكل مرة مسحتِ فيها دموع عيني بكفك إذا في يوم من أي شيء ضاق صدري وبكيت ...بكل ضمة لي في أحضانك وانا متعبة أو مريضة ... باعتنائك بي أثناء حملي بأحفادك ... بكل فساتيني التي تطرزينها لي من أجلي بعدما تدعني اختار ما يروق لي من تصميمات جميلة ..
ثم استطردت والدموع تغالبها :  لم تتمنى عيني شيئاً منذ زواجي بولدك إلا وأجبته لي دون أن تدعي لشفتاي فرصة أن تنطق به ..وقبل كل هذا وذاك .. أهديتني زوجي الذي هو نعمة ربي عليَّ .. هو قطعة منكِ ...عصبي المزاج قليلا ولكنه قلبه ابيض تماماً مثل قلبكِ ...تشرّب منكِ معظم خِصالك الحميدة ..علمتِه كيف يحب ..كيف يرحم العِباد ..كيف يراعي الله في زوجته وأولاده ..كيف يحترم زوجته ويعاملها كـأميرة .. لان أمه حقاً تتمتع بخصال الملكات...
.
دمعت عينا أم محمد وبادلتها زوجة ابنها زهرة بكاء حاراً على أِثره تعانقا عناقاً طويل ... 
.
لم يطل عُمر أم محمد بعدها أكثر من ثلاث ليال ... انتقلت لبارئها وهي تدعو لزهرة أكثر مما تدعو لأبنائها ..وبدورها بكت عليها زهرة كما لم تبكِ على والدتها التي رحلت منذ عامين  .. اتشح قلبها بالسواد حداداً عليها ومازال .. وقفت تتلقى كلمات المواساة و العزاء من أقاربها و جاراتهــا فهم يعرفن جيداً أنها كانت بالنسبة لـ زهرة "أمها "   وليست " حماتهــا ".
أوصت أم محمد أختها ..أن تحكي للعالم عن زهرة .. الابنة البارة بأم زوجهــا ... أن تنشر قصتها في الجريدة أو على الانترنت ..
.
أم محمد لم أرها ...لكنني علُمت صدفة بوصيتها .. " ارقدي أم محمد في سلام فقد أجبت وصيتك "  ...............مهنــد فوده


* إن أردت أن تترك تعليقاً على القصة ..فبرجاء أكتبه بالأسفل حتى يمكنني الاحتفاظ به ما بقيت حية تلك الكلمات  ..شكرا لك

الجمعة، 15 مارس 2013

ليلــــة زفاف ابنة عمري ..



(قصة قصيرة)

أهبط الدرج متثاقل الخطوات وهي تتأبط ذراعي ..
أكاد اسمع صدى لدقات قلبي المتلاحقة في مفاصل قدمي وأوصالي ..
أيتها العظام اصمدي ..وتحملينا قليلاً ...
أيتها الدموع تجمدي ..ويا عين لا تضعفي وامنعيها ...
أيتها الشفاه ابتسمي ..أرجوكِ لا تخذليهــا ..
يا قلبي انفض عنك الأسى وافرح الليلة ...فابنة عمرك اليوم ترتدي الأبيض ..وياهنا أبوها بيها   .
استمعت قدماي لرجائي ..وابتلعت درجات السلم سريعاً ...
صحت فيها غاضباً : تمهلي قليلاً ..أنا قلت لكِ فقط احملينا ...
.
وانتهت أخر درجة ..وانتهى مشواري معها ... أربعة وعشرون عاماً من الخدمة ..أشهد الله أنكِ كنتِ بالنسبة لي نِعم الابنة ..وكنت لكِ أب حاول أن يؤدي دور مضاعف مع ابنة فقدت أمها يوم مولِدها ..
أفقت من شرودي على ذراعها تتخلص من ذراعي برفق ..تُراها تتعجل الانتقال لذراع زوجها ..؟؟!! هكذا ظننت ..
وإذا كفها تلتقط كفي وتتشبث به  ..أتراجعت و تتمسك ببقائها معي ؟؟ ..أم تلتمس من كفي أن يلعب دور الوسيط لزوجها أمام الجموع الغفيرة  ..
لم أنظر لعينيها مباشرة لأسألها .. فتلاقي أعيننا ولو لثواني بسيطة قد يفسد ليلتنا ..
انشغلُت عنها بالنظر إليه يقترب ناحيتي ..مبتسماً ابتسامة فرح عريضة ...أهي جراء حب حقاً أم نظرة انتصار لأنه سيأخذها مني ..
وقف هو حدي .. لم تطلبها شفتاه مني .. ولكن عينيها قالت لي : سلمها لي يا عمي ..
لا إراديا كنت أشد على يدها ...كطفل يريدوا نزعه من كف أمه ... هي ابنتي التي لا أملك في حياتي أغلى منها ...وأمي التي عوضتني عن أمومة أنا الأخر لم أهنأ بها في طفولتي ...
ومع ذلك ..لم أجد بدٌ سوى أن استجب له و أسلمها إليه .. هكذا جرت الحياة ..ونحن جزءاً منها ..
.
أثناء مراسم تسليمها إليه قبّلت جبينها .. وهو صافحته ...وحينما سلمت كف يدها لكفه .. فاجأتني بحركة مفاجأة وتركت يده .. قفزت في أحضاني تطلب مني عناقاً حاراً أخيراً "هذا ما لم نتفق عليه ياابنة عمري " ..
لم أستطع أن اتمالك نفسي في احضانهــا ... رغما عني فلتت من مقلتاي بعض الدموع واستقرت على فستانها .. خانتني عيناي رغم أنها عاهدتني مراراً على عدم البكاء في ليلتهــا ..
كنت أضم فيها ثلاثتهن ..أحب نساء الكون إلى قلبي ..أمي وأمها وهي ..كم سأشتاق إليكم جميعاً ..
شعرت بدموعها توشك أن تنفجر من عينيها .. فصحت فيها مبتسماً :

أوقفي دموعك السوداء كي لا تلطخ الابيض يا أميرة ..
ابتسمي .. فالليلــة لا مكان للدموع يا أغلى البنات ..
 فأنــا أسعد أب و الكون لا يسعني بك يا صغيرة  ..
يوم زفافكـ حلم أنتظرته منذ أن حملتكـ على يدي أول مرة ...
يوم أن ضممتك لصدري بعدما فقدتِ يا وحيدتي صدر أمك ...
بعدما عاهدتك أن لا أمنحك أم بديلة وأكن لكِ أم وأب ..

كنت أود سؤالها: تراني وفقت في دوري ذاك يا حبيبة ؟؟!!.. ولكن في اخر لحظة قررت قتل السؤال على لساني ...و قلت لها مطمئناً :
لا تنشغلين بي .. فلن أكون وحيداً أقسم لكِ .. كل ركن في بيت أبيكِ سيذكرني بكِ ... ستؤنس وحدتي صُورك على كل جدار بذكرياتنا معاً التي لا تنتهي  ... وسأعلق أطر فارغـة سـأنتظر ملئهــا بصور أحفادي منكِ بفارغ الصبر يا حبيبتي...
و اعلمي أنني سأكون دوماً بجانبكـ فاطمئني ولا تقلقي ...فالحبل السري ينقطع بين الأم ووليدهــا ولكنه بيننا لن ينقطع ابداً ...أعدُكِ بذلك يا ابنتي ...........بقلم مهند فوده

* إن أردت أن تترك تعليقاً على القصة ..فبرجاء أكتبه بالأسفل حتى يمكنني الاحتفاظ به ما بقيت حية تلك الكلمات  ..شكرا لك