السبت، 18 أغسطس 2012

شراب العِنــــاب المُر ...


رمضان الجاري هو آخر تجمع لها مع أسرتها على مائدة رمضانية .... 
 .
 بهمس ترجو من مقعدها أن يتشبع منها فلن تجلس عليه العام القادم سوى "ضيفــة" ...و للمقعد الخالي بجوارها : لن تنتظر كثيرا فسيجلس عليك قريباً حب عمري وشريك حياتي ...
 .
 تبتسم وهي تتناول الطعام وتسرق النظرات بين اللحظة والأخرى لأفراد أسرتها ...ثم تغالب دموعها حزناً على بُعَدهــا ...تغدق عليهم بحنانهـــا حتى يتذكروهـــا إن خلى تجمعهم منها ... إن غابت عنهم خفة ظلها وروحها المرحــة ...
 .
 قررت أنها لن تساعد والدتها في أعمال البيت وطهو الطعام هذا الشهر أكثر من المعتاد ....إشفاق عليها وتخفيفاً عنها ...حتى لا يشق عليها كثيراً غياب ابنتها "البكرية" عنها رمضان القادم ...لأنها ستكون هناك في بيت زوجها الذي سيتوجها عليه ملكــة وسلطانة .....زوجها الذي سيقدر براعتها في الطهو ويشيد بمهارتها في إتقان مذاق الحلو وتنوع أصنافه .....................

 تفيق على أحلامها السعيدة على مذاق شراب العِناب المُر الذي صنعته لهم بيديها و نسيت إضافة السكر إليه ...
 لم تعر اهتماماً لسخرية أخواتها من صنعها ومن مذاقــه ... وأكملت شُربه على جرعة واحدة لكي تنسى....لتمحو من ذاكرتها " أنها ذاتها أمنية العام الماضي وثلاثة أعوام قبلها " ....

 أنها مازالت في بيت والدها "صاحبة بيت" ولم تصبح على مائدتهم "ضيفــة" .....

 ومازال المقعد الكائن بجوارها خالي كإصبعي البنصر في كلتا يديها....

 ومازالت تغالب دموعها على أمل أن تفتقدهــــا عائلتها العام القادم ... بداخلها بقايا أمل أن لا تخذلها الشهور القادمة ...وتتمكن من حلمها وتنجح في تحقيقـــه ..............................................مهنـــد فوده



لكعك عيد ..محشو بالحب ومعجون بالسعادة ..


إنها طريقة أبسط ما يكون ...اختاري فقط اليوم الذي يكون فيه مزاجك جيداً ...وان لم تكوني ابداً صاحبة مزاج جيد ...فنصيحة لك توجه إلى أقرب حلواني واشتري الكعك المعروض عنده ...فأنتِ وحظك في سعره... وأنتِ ونصيبك في طعمه ...

المزاج الجيد شرط أساسي في طريقتنـــا ...جهزي نفسك له ...و كوني مستعدة ..
 يجب أن تكونين قبل عمل الكعك في أكثر حالات أناقتكـ المنزليــة ...ترتدين مريلة مطبخ جديدة عليها " قلوب حمراء " أو " ورود قرنفلية ملونــة" ....وضرورة لمِ شعرك كله برابطــة شعر ..ولو كنت امرأة نادرة تتميز بشعر ناعم جداً ..لابد من ارتداء إيشارب حماية للكعك من شعيراتك الرقيقة المتساقطــة .....

 توجهي لمطبخك ...ومن المؤكد انه أكثر شيء مازلت تتذكرين مكانه ...

 جهزي ثلاث أكواب من الدقيق ...وانخليه ببطء وانتِ تُدَندِنين مايحلو لك من أغاني الشحرورة....
لا تتركِ أي شئ يعكر من صفوك " وانتِ تضعين على الدقيق ذرة من الملح " فيجب أن تؤمنين أن لكل حياة حلوهــا ومرهــا ...ومهمــا أذاقك زوجك العزيز من مرارة ...فهي في حياتك ضرورية كأهمية الملح في طعامك ..

 ضعي ملعقــة كبيرة من السمسم ونص ملعقة كبيرة من رائحــة الكعك ...واستحضري في تلك اللحظــة رائحتــه القوية في أنفك عندمــا كان يخرج على الصاج الساخن من فرن عم حامد وانتِ في الطابور تتنظريه بالساعات ...حينها كنتِ طفلة صغيرة بضفاير تسكنين ببيت والدك...

 يقدح السمن ويضاف إلى الدقيق ...ويخلط جيداً ...ضعي قليلاً من الحليب ...تأكدي أن الحليب جاموسي وليس بقري لكي تضمنين لوناً أبيض ناصع للعجين...وتأكدي أن الجاموســة تسهر ليلهــا على أنغام الموسيقى لتدر في الصباح لبناًً صحياً و مفيداً ...

 اعجني المخلوط حتى يصير عجينـــاً ...اتقني العجين ..لو لم يكن لديك القوة الكافية لذلك ..فلا مانع في تلك المرحلة ان تتذكري أي شخص أزعجك كلامــه ...أو زارك في بيتك ولم يعجبك طريقته معك أو نظراته ...تذكري كيف كنت تودي أن تأخذيه تحت يدكـ بدلاً من ذاك الخليط ...ولكن إياك ان تتذكري زوجكـ في تلك اللحظـــة مهما كان تاريخه الأسود معك ...فلربمـــا أفسدتِ كل مجهودك السابق في صنع الكعك ...
 بعد تسديد اللكمــات والضربات وتقليب العجين ....اخرجي من "مود" الشر...ارتاحي واطمئني انكـ قد نلت أخيراً حقك من كل أعدائك ...تنفسي نفس عميق ....واستعدي لمرحلة التكوير ...

إذا كان زوجك شخص لطيفاً متعاون معك , ويساعد من حين لأخر في الأعمال المنزليــة...دعيه يشاركك مرحلة التكوير ومراحل الحشو والنقاشة .. وان لم يكن كذلك ووقته مشغول ومتعذر لك دوماًُ بألف مليون حجة ...كوّرِي كل الكمية واحشيها ملبن أو عين جمل ثم انقشيهــا ..واتركِ له من 6- 8 قطع دون نقش ...يجب أن يقوم بنقشها إجباري ...هذا سيكون له دور كبير أن يتقبــل طعم الكعك اياَ كان مذاقــه ...خاصة ولو كان سيئاً لا قدر الله  باعتباره مشارك ايضــاً في جريمــة صنعه ...وبذلك تأمنين شر لسانه .. وتتجنبين توبيخه وسخريـــته التي لا تنتهي منك و من مذاقــه...

 كما في أغلب التجارب السابقة... سيرحب زوجك بأن ينقش كعكاته بنفسه مثلما كان يفعل صغيراً ...بل وربما سيحفظ لكِ ذلك الجميل إذ كان " نقش الكعك" أمنية كامنــة بداخله وهو صغير وحرمته منها والدته التي كانت توبخــه منها بدعوى انها "مش من اختصاصه وخاصة بالبنــات" ....

 ولكن إياكِ .. والسخرية من شكل الكعكة التي صنعها مهما كانت متعددة الاضلاع أو بيضاوية ...أو من النقشـــة التي ستظهر بهــا مهما كانت منكوشــة أو عجيبـة ...اخفي ضحكتك في قلبك ...وشجعيه واخبريه انها رائعــة و جميــلة ...ولو كانت معقولة فعلاً ...دعي له باقي الكميــة وراقبيه من بعيد... حان الوقت لأن تسترخي قليلاً وتستريحي ...

 أخيراً ...يوضع الكعك في الصاج ... ثم يخبز فى فرن متوسط الحرارة...ويترك حتى يبرد تماما ويرش عليه السكر البودرة الذي ستفركيه بيديك وتغطي به كل حبات الكعك وانتِ تترددين كل أمنيــات الحب والسعادة لكِ ولزوجك ولكل أحبائك الذين سيتذوقونه .....

وهنيئـــاً لك سيدتي " بكعك عيد ..محشو بالحب ومعجون بالسعادة " ...............بقلم  مهنــد فوده

أميرة أطاحت بها الأمواج


ابحث عن حب يطفو بي من ظلم الأعماق ...
   
عن قارب أمل ينجو بي من بحر الظلمات ...
  
 عن قمر يضئ ليالٍ ماعرفت يوماً طعم الأضواء ...
   
أتحسر على عمر ماضٍ...
   
أوراق أهلكها الزمن ...
   
وشموعاً أطفأها الدهر...
   
ودروبا سلكها القلب ...
  
 وعيوناً دامعة تبكي ....
  
 لى عشق ضل مواطنه ... 
  
 واخر غرز في قلبي مخالبه ...
   
ولكني رغم النزف...رغم الألم ...رغم الأهات ...أتطلع لأمل باق....
   
ليدٍ تتجلى يوماً في الأفق ... وتغوص ممدودة لانقاذي...
   
ولهذا. ..سأغدوا ليلي ونهاري ...
   
أغزل بخيوط الحلم المأمول...
  
 عقد من ورق الشوق المجدول ....وتاج من حجر البحر المطمور ...لأميرة أطاحت بها الأمواج... وأنستها الأيام ...حبيبها القابع في قاع البحر..
   
بقلم مهند فوده

الجمعة، 17 أغسطس 2012

لم تكتمل قصيدة عشقي لكِ ..



لم تكتمل قصيدة عشقي لكِ ...
 .
 هكذا كتب القدر لها أن تموت بعد أن شرعت بكتابــة عدة أبيات بها ...أوقفتهـــا أحكام القافيــة الموروثة و الاتزان الشِعريِ الطبقـي ..
 .
 تزوجتي بغيري ...وصنع لكِـ قصيدة شعر أخرى ....
 لا أدري إن كان موهوبا ًمثلي ...
 إن كانت كلماتــهـــا عذبة ككلماتي ....
 إن كانت معانيها مستعارة أو تتدفق من الأعماق كمشاعر حبي لكِ وهيامي ..
 إن كانت حارة وملتهبة كأنفاسي ..؟؟!!..
 إن ذابت فيكِ معاني الشوق التي تزينهــا... وبدوركـ ذبتِ أنتِ في معانيهـــا ؟؟!!..
 إن مست أوتار قلبكـ وعزفت عليهــا الحانــاً تطربكـِـ...
 إن رقصت عليها دقات قلبكـ بلا مايسترو.... بلا فرقــة موسيقية ....وبلا آلات.....أم رفض القلب الذي أعهده ...أن يرقص من إيقاع ألحان أخرى بعد أن عزفت على أوتاره يوماً أجمل سيمفونياتي ...
 .
 ربما راق لكِ صنعه ...وربما لم يعد يروق لك شعراً ولا أيٍ من صنوف الأدب ...من بعد أشعاري !!!.....
 .
 لم يعد لتساؤلاتي تلك معني !! ....

 ولم يعد هناك وجهاً للمقارنــة بين أبياته و أشعاري ....

 فمن المؤكد انه أوفر حظاً مني.......

 فمهما كان أشعاريِ رائعة فهي لم تصل معكـ ِلمبتغاهــا.. 

 ومهما كانت أبياته رديئة فقد نجحت بالفوز بكـ في النهايـــة ...................بقلم مهند فوده




كورقة سيجار ...




كنت اعلم أن ذلك ما يجعلك متعلقا بي ....امرأة استعصت عليك ورفضت ان تخضع لك ...كم تكون مثيرة لديكـ تلك المرأة !!!....
 كان هدفك هو ان اركع تحت قدميكـ ...أن انهزم و أذلل لك كرامتي فأرضي ساديتك ...ثم تتركني ....
 .
 عانيت كثيراً ...وقاومت حتى لا أخضع ...حتى لا أضعف ..كنت تلقبني بالفتاة الحديدية ولكني في حقيقة الأمر ...امرأة هشة كورقة السيجار.. امرأة أضعف مما كنت تتمنى ...
 .
 كنت أدرك جيدا أنكـ رجل تتمتع بجاذبية أقوى من جاذبية الأرض للقمر ...كنت أقترب كثيرا من مجالك الجوي ...ولكني لم اقترب بما يكفي لإسقاطي...كنت اعلم أن عند نقطة معينة سأُحّرَق ...بعدها لن أنعم بالحياة بين أحضان أرضك ولا في فضائي............بقلم مهنــد فوده



في بيتنــا طفل كبير ..!!



قال لهــا : أمازلتِ غاضبــة مني ؟؟!! ....أم انكـ فقدتِ القدرة على أن تسامحيني ...ربما لأنِكـ لم تعودي كما كنتِ تحبيني !!!....كان ينظر لهــا بغضب كالأطفال وهي تحمل طفلهمـــا بين يديها تلهو به وتلاعبـــه ....
 .
 نظرت إليه بابتسامة ...ثم تركت طفلهـــا يلهو باللعبــة التي بين يديــه .... واحتضنت طفلهـــا الكبير ....وقالت : الأم هي "أمــاً " لأنها تغفر وتسامح ... لأنها "أم" فهي لا تفرق بين أولادهـــا ...ثم همست في أذنــه وقالت ولكني لست أم عادلــة ...
 فأنت طفلي الأول "وفي قلبي" لك معزة خاصــة ...
 لأنك زوجي وحبيبي ...أول من دق له قلبي ..وأول طفل رأته عيناي .. لأنكـ من وهبتني قبل طفلنــا ذاك "معنى الأمومــة " .... .......................مهند فوده

حبي لكَ باقٍ إلى ما بعد الحياة التي نحياهـــــا ..



هو : لم يبقى بي شيئاً تحيبيني من أجله ... فـــ"أنـــا" الذي تعرفينه توقف نبض قلبه "بالأمس" ولم يعد حيـــاً ...
 .
 هي : ومن قال ان حبي لك مسجون في حدود دنيانـــــا ....ان حبي لك باقٍ حتى لو فنى جسدينــــــــا ...حبي لك سيستمر إلى ما بعد الحياة التي نحياهـــــا ...
 .
 هو : ربما حتى لن تجديني هناك ....فربما كنت في جهنم وانتِ بعيدة في الفردوس الأعلى ...
 .
 هي : أدعو الله منذ أن احببتك ...ان يهديك إليه ...كنت أدعو وعلى يقين انه لن يخذلني ...كنت أدعوه ألا أنعم به سوى معك ...أُخلِص في عبادتي كثيرا ولا أرتكب ذنوبـــاً ....كنت كلما فعلت خيراً فعلته مرتين مرة لي وأخرى لك ...وكلما تصدقت ...تصدقت مرتين ...وعندما قررت أن أتكفل بيتيم ...كفلت اثنين واحد باسمي والثاني لك ...
 .
 "هو" لم يجد كلمات يرد بها عليها سوى دموعــــــاً غالبت عينيه اليائستين ... وأسرعت "هي" تحتضنه كما تحتضن الأم رضيعهــــــــا ...مخففة عنه آلام فقد والدته الحقيقية ........................مهند فوده

قالوا لي حينما تكون مكتئبـــا لا تكتب ....




قالوا لي حينما تكون مكتئبـــا لا تكتب .....فيكفي القراء ماهم فيه ..... حفظت النصيحــة ووضعتها بين عيناي ...لأنني عندما اكتب عن حزني تفيض كلماتي دمــاً ... و تفوح معانيهــا بالدرامــا ....فيشعر قارئهــا ببعض من الضيق دون أن يكون ذلك عن قصداً مني...
 .
 فصرت أكتب عن السعادة حتى لو كنت حزينــاً ....اكتب عن الحب ...ولو كنت منه موجوع ....اكتب عن الأمــل رغم عواصف اليأس التي تعتريني... اكتب عن رقصاتي معها رغم ذراعي الخالي منهــا ....احكي دوماً عن كلماتي التي لم تسمعها ....عن قصيدتي التي لم تقرأهــا ....." عنها "رغم إنها ليس لها وجود ....
 .
 عاهدت نفسي أن اجعل كلماتي دوماً تبتسم حتى لا تروا سطورهــا المبتلة بدموعــــي .................مهنــد فوده

بلا شموع ...أحتفل بعيد ميلادي



أرسلت لي ليلــى بطاقة معايدة تهنيني بعيد ميلادي ...وأرفقت ببطاقتها صورتهــا مع مولودهــا الثالث ....
 .
 لا أدري إن أرسلت لي تهنيني ..أم لتثير حقدي وتثير عواصف الحسرة في نفسي .....

 عهدي بها انها ليست بتلك القسوة ...

 لا يمكن ان يتمكن الحقد من قلبهــا يوماً...فتشمت في حبيبهــا الأول الذي أحبته من كل قلبهــا ....حبيبهـــا الذي يتابع من بعيد كل جديدهــا ....والذي لا يحتاج لبطاقة منها كي يتذكرهــا ....ولا صورة لهــا مع وليدهــا ليندم على ضياعهــا ...
 .
 حبيبكـ يا ليلى لم يعد يحتفل بعيد ميلاده منذ أن رزقت طفلكِ الأول ....
 فيوم ميلادي يذكرني بأن العمر يمضي ..وان الباقي في أوراقه ليس أكثر مما مضى ...
 يذكرني ان أبوتي لأطفالي الذي لم يأتوا صارت أمنية "يتيمة " الأب مثلهم اذا أخطأت وأتيت بهم للحياة يوماً .....
 .
 إن حياتي دون حب صارت واقع أؤمن به جيداً ...كحال جدران بيتي و أحبائي الذين فارقوني ولم يبقى منهم سوى صور جامدة في أطر سوداء تنتشر حولي....
 .
 لا تندهشي من تلك الصورة ذات الخلفية السوداء التي أكتب لك بخلفهــا ....فلم أجد أبلغ من تلك الصورة لتعبر لك عن حياتي ...عن كيف كان احتفالي بلا شموع ...وحدي بعيد ميلادي .....دمتِ سالمــة انتِ واطفالكـ الأعزاء ...................................بقلم مهنـــد فوده

الجمعة، 10 أغسطس 2012

في مكـــــة: روحانيـــات ضائعة..وكثير من التبرج!!




 تساءلت كثيرا... حادثت نفسي واستجوبتها ...لُمتها  ..حتى كدت أشك في إيماني !!...كيف لم يروق لي بيت الله الحرام بذات القدر الذي عشقت فيه مسجد رسول الله ؟؟  .. رغم ان الصلاة في ذلك المسجد تعادل مائة ألف صلاة فيما سواه ..... ربمــا يرجع شعوري ذلك لأنني مهندس معماري ...وأثر في نفسي ذلك "الجرم " المعماري الذي شوه أطهر بقاع الأرض  وأضاع من المصلين تلك الروحانيات الخاصة التي يتأملونها والذين جاءوا إليها  من "كل فج عميق" املاً في إيجادهــا.


أنا ذاته ذلك الشخص الذي صلى بالمسجد النبوي وبكى في سجوده ودعائه ...ذات الشخص الذي خشع في صلاته وانفصل عن الدنيا وهمومهــا وتبرجهــا ...إذن ليست العلة بشخصي ...ولكن العلة في إحساسي بالمكــان الذي أضاعه ذلك "التطاول في البنيان" الغير مبرر لتلك الفنادق حول الحرم المكــي التي ارتفعت إلى عنان السمــاء حتى أصبحت مآذن الحرم الشهيرة بجانبها مجرد أقزام صغيرة تائهـــة بين تلك الأبراج العملاقـــة وبرج الســاعة الذي يجثم فوق أنفاس الحرم المكي والمصلين فيه ...
..
أبراج لا يوجد لواجهاتها هوية محددة أو مدرســة معمارية جديدة أفرزها الموقع الفريد أو تاريخ  المكان العريق  ..فستجد في واجهــة مبنى واحد كل ما تشتهي إليه أنفس المعماريين ...ستجد عمارة يغلب عليها الحداثة مضافاً إليها أقواس إسلامية مبعثرة في   دور هنا و دور هناك ..وبعض من التفاصيل الأندلسية ..وتغطيات أسطح خيامية ...وكثير من مسطحات الزجاح ستائري ..قليل من القباب و بعض من الكوابيل الكلاسيكية ...هذا " التبرج المعماري " لو اجتمع نصفــه في مشروع تخرج من تصميم طالب معماري في احد الجــامعات العربية " المحترمــة" لسمع من الأساتذة المحكمين ما لن ينســاه  طوال حياته من نقد يصل لحد السباب في أغلب الأحيان ,  يتبعه رسوبه الحتمي ..نظراً لتعديه على حرمة الحرم المكي وإفساده قيمته الرمزية وهيبته الموجودة  التي تعود إلى ما قبل دخول مكــة في الإسلام...

لا أحد يستطيع أن يغفل تلك التوسعات الكبيرة التي يسرت كثيراً على المصلين والمعتمرين والحجاج أداء المناسك والصلاة في بيت الله الحرام .....ولكن أين حرم " الحرم " ؟؟ ...سؤال يسأله كل المعمارين الزائرين له  ...فعندمــا يتم إنشاء طريق سريع يتم تحديد حرم كاف له من الجانبين يمنع إقــامة أي من المباني في نطاقه ...وتجرم القوانين البناء في حرم الطريق بأشد وأغلظ العقوبــات ...ما بالنــا ونحن في حرم " الله " ؟؟!! ....

ولكن كل شئ يهون في ساحة الحرم أمــام إقــامة الفنادق السبع نجوم ..والمولات الضخمة  التي تضم بداخلها احدث ماركـات الملابس العالمية والإكسسوار...حتى أنه هناك فتاوي تؤكد ان الصلاة بالمباني تلك تعتبر جزء من الحرم ويؤجر عليها بمثل ما يؤجر به المصلي في المسجد نفسه لوقوعها في ساحة الحرم ...فلا مــانع ان تتسوق في المول وعندمــا تقام الصلاة إركع عزيزي المتسوق واسجد وأمِّن وراء الإمــام بنفس مطمئنة حتى لو تصادفت صلاتك بمدخل المول  التجاري أو ممراته أو أمام مانيكان دون رأس بفاترينة أحد محال الماركات العالمية  أو حتى أمام الكافيه الشهير ذو  اللوجو الأشهر للملكــة استر اليهودية والذي اختفى رأسها كاملاً لدواعي دينية باللوجو ولم يبقى منه سوى التاج بكل فروع الكافيه المنتشرة بمكــة فقط  ... 

لا شيء يمكن أن يغفر ذلك الجرم المعماري في تلك المدينة المقدســة ...حتى لو كان " وقفاً لوجه الله تعالى " ...وخاصة في ظل وجود كلية الهندسة و العمـــارة الإسلامية في جامعة أم القرى بمكــة ...ولا ادري "بالمناسبة" ما هو سبب تسمية قسم العمارة هناك "بالإسلاميــة" ...وهل الانتســاب هنا مقترن بالدين الإسلامي ؟؟ " ام مقترن بطراز محدد " ؟؟ ... ما معنى حصر دراسة العمارة في طراز واحد ؟؟...وهل خريج هذه الكليــة "مُحَرم" عليه دراسة الطرز الأخرى والاستعانة بها في تصميماته ...ربما لو كان هذا مطبق وقائم في تلك الكلية كنوع من التخصص لكــان هذا أهون وربما يغفر لهم بعض الشئ , إذ ربما كان هدفه أن يستفيض الطالب طوال فترة دارسته في دراسة الطرز المعمارية الإسلامية  ومكوناتها التي خلفتهــا العمارة الفاطمية والأندلسية وغيرها ...حتى يفرز الطالب في نهاية دراسته عمارة بها طرز إسلامية مبتكرة وجديدة  تضيف " لقبلة المسلمين " هوية تميزهــا وهي أقل ما تستحقه مننـا كمعماريين مسلمين  ..أو حتى على أقل تقدير يتم تطبيق مكونات الطرز القديمــة ذاتها بنسبها الصحيحة بشكل متجانس في اشتراطــات المباني والفنادق داخل مكــة وحول الحرم ....

ولكني أكــاد أجزم أن كلية الهندسة والعمارة الإسلامية لم يكن لهــا دور سواء في  "اختيار موقع " أو "تصميم" أو في "تحكيم مشروع تصميم أبراج البيت والســاعة " أو "أي من تصميمات الفنادق الأخرى حول الحرم " ...فمن المؤكد أن حالهـــا مثل باقي كليات الهندسة و أقسام العمارة في دولنــا العربيــة ...دراسة نظرية لا تخرج عن نطاق " اللوح الكانسون " و" ورق الجلوسي " وصفحات الرسائل العلمية الحبيسة رفوف المكتبات ,  وعند " الجَد " يتم الاستعانة بمكــاتب معمارية وخبراء أجانب من الخارج للتصميم والتحكيم  أي كانت جنسياتهم أو توجهــاتهم أو حتى عقائدهم التي يعتنقون ...

لذا لا تتعجب ولا تندهش عندمـا تجد مليارات من الريالات تنفق على منتج معماري يعلم الله وحده ماهية " نيته " ..وإن كنت أشك أنك ستستطيع أن تسلم انها " نية خالصة"  بعد أن نجحت في شد الأنظار من كعبــة المسلمين وأضاعت هيبــة وسيطرة الحرم والكعبــة على المصلين , وهي السيطرة التي انفرد بها ذلك المكان المقدس على مدار أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت ...وشتتت عقارب الســاعة المضيئــة  و فلاش "كاميرات الهواتف النقالة التي تصور الساعة الشاهقة " قلوب وأذهان زوار بيت الله الحرام وقطعت تواصلهم مع السمــاء لتذكرهم أنهم في مواقيت الدنيـــا الزائلة "المتبرجة"  وليسوا بين يدي الله ... 


  مهندس معماري / مهند فوده
مدرس مساعد بقسم الهندسة المعمارية –جامعة المنصورة