(قصة قصيرة مبنية على أحداث حقيقية )..
لم يُخلق "الانتظار " لأي امراة في الكون مثلما خُلق لها ...لربما
يسميه البعض حُباً و ربما يطلق عليه البعض الآخر " جنوناً " ... وتناسوا جميعهم أن الحب ما هو إلا "مرض" وأن "الجنون " ليس سوى عرضاً من بين أعراض الحب العديدة ...
إنها امرأة أربعينية تنتمي لطبقة فوق متوسطة ..كأنني على ميعاد يومي غير
مُسبق مع عيناها ..أقُابِلها في طريق
عودتي لمنزلي في ذات المكان مهما تأخرت أو تقدمت ساعة رجوعي ...امرأة واقفة بشموخ جذوع
الأشجار المصفوفــة بجانبها ..ملامحها ذابلة كأوراقها ..لربما كان ذلك أثر فصل الخريف على
كليهما ..
صارت "هي" جزءاً من معالم المكان ..كأعمدة الإنارة ومقاعد الجلوس
التي يجلس عليها أُناس مختلفة تتبدل وجوهم كل ساعة... إلا هي ..فعقارب الساعة لا تُزحزِحُها
...وإرهاق الوقفة لا يضنيها .. فتظل في ذات المكان ...ثابتة على ذات البلاطـــة
...كأنها دُقت في الأرض بمسامير ...لربما تظُنها تمثال من الشمع ..لولا انها تُحرك رأسها
يمينا ويساراً بين الحينة والأخرى عندما تفيق من شرود يأخذها أبعد من مكان وقوفها
بكثير .. ستجدها تجول بنظرها تفتش في وجوه المارة ..باحثة في ملامحهم ..عن
ملامح بعينيها ..
فمن المؤكد إن مررت بجانبها ستصيبك نظراتها كبقية الناس ..وإن رأتك
ثانية ستطيل النظر في عينيك وكأنها تقول لك " مازلت أتذكرك .. فلقد مررت من هنا
بالأمس ".....في عينيها حكايا شتي وأسرار مدفونة ...كُتبت بلغة غير معلومة ..يبدو
انها لغة قديمة اندثرت كما اندثرت قيم كثيرة توارثناها من أجدادنا ولكننا أضعناها ككل
شئ جميل بمرور الزمن .. بـ ودك أن تأتي لها بساحر يفك طلاسم عيناها ويخبرك عن فحواها ...
ورغم أنها امرأة غريبة الأطوار , إلا أنني عزيت وقوفها في ذلك المكان أنها لربما تعمل بالمنشأة الشامخة بخلفُها ...خاصة أن عودتي غالباً ما تكون في وقت خروج موظفيها ..ويظلوا على الرصيف هكذا مزروعين لساعات حتى تَحِن عليهم مركبة تحملهم إلى منازلهم ...هي معاناة كل يوم ولابد انها مِثلهم تعاني وتنتظر ..
ورغم أنها امرأة غريبة الأطوار , إلا أنني عزيت وقوفها في ذلك المكان أنها لربما تعمل بالمنشأة الشامخة بخلفُها ...خاصة أن عودتي غالباً ما تكون في وقت خروج موظفيها ..ويظلوا على الرصيف هكذا مزروعين لساعات حتى تَحِن عليهم مركبة تحملهم إلى منازلهم ...هي معاناة كل يوم ولابد انها مِثلهم تعاني وتنتظر ..
حتى كان يوم العطلة الرسمية ...كانت الشوارع شاغرة إلا منها ...في ذات
المكان تقف ذات المرأة ..لا يتبدل منها سوى ألوان ملابسها ..ولكن عيناها الكبيرتان
لا تتبدلان وهما تبعثان بنظراتهما للعالم بإشارات تساؤل ...لعل في لحظة ما أحد يُجيبها ...
عزِمت في ذلك اليوم ان أقترب منها ...ان اُجيب مساعدة لم تطلُبها مني
...أن استفسر عما تُعاني ...أن أُعالج شئ ما تشكو منه رغم انني لست بطيبب ...حاولت أن ابعث الاطمئنان في نفسها المُرتعبة من شخص غريب
يُقدم خدماته لامرأة لا يعرفها ...كانت نظرات الهلع والخوف تًخبرني بما يدور بداخلها
تجاهي...تدعوني أن أشفق على حالها ..ان لا أتحالف أنا وأحزانها (التي تجترها) عليها ...
قررت
سريعاً أن أدعها وشأنها ...وان انسحب بهدوء لعل السكينة تعود إلى نفسها الجزِِِعة
مني...سألت عنها أفراد أمن المنشأة التي تقف أمامها ...قالوا لي أنها تأتي هنا كل يوم
منذ ثمانية شهور من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءاً...تنتظر زوجها
الموظف بتلك المنشأة ...تنتظره لتسأله عن حقيقة الورقة المطوية بحقيبتها التي استلمتها
من المُحضر منذ ثمانية شهور ..تسأله على أمل ان ينفي انه هو مُرسلِها ....
وإن لم يُنكِرها ..لا تريد منه سوى الإجابة على سؤالها الوحيد " لماذا" ؟؟؟..لماذا بعد تلك السنوات الطويلة " طَلقها " ؟؟ .. إن كان بها عيبٍ ستقسم له أنها ستغيره ...و إن كان بسبب عدم إنجابها سترجوه يسامحها عما ليس لها يد فيه ..ستطلب الغفران و ستختار له من يتزوجهــا ..ستقدم لها حريتها مهراً ..ستخدمُهما هما وأطفالهما الذين سينجبونهم دون تعب أو ملل ...على أن لا يتركها لسنواتها الباقية تفترسها وحيدة....
وإن لم يُنكِرها ..لا تريد منه سوى الإجابة على سؤالها الوحيد " لماذا" ؟؟؟..لماذا بعد تلك السنوات الطويلة " طَلقها " ؟؟ .. إن كان بها عيبٍ ستقسم له أنها ستغيره ...و إن كان بسبب عدم إنجابها سترجوه يسامحها عما ليس لها يد فيه ..ستطلب الغفران و ستختار له من يتزوجهــا ..ستقدم لها حريتها مهراً ..ستخدمُهما هما وأطفالهما الذين سينجبونهم دون تعب أو ملل ...على أن لا يتركها لسنواتها الباقية تفترسها وحيدة....
ومنذ ذلك اليوم الذي وصلت ليديها "تلك الورقة ".. لم يخرج زوجها
السابق من ذلك المبنى أبدا ولن يخرج !!!...فلقد تقدم بطلب نقله لفرع آخر من فروع الشركة
المنتشرة بأنحاء البلاد ...وانتقل للعيش هناك هو وزوجته الشابة وطفليهما....ومازالت
السيدة لا تصدق أن زوجها ليس بالداخل ... مازالت تأتي كل صباح ..وتنتظر ..لعله يظهر
ويجيب على سؤالها الوحيد " لماذا ؟؟؟ " ...................... بقلم مهنـــد فوده