الجمعة، 28 أكتوبر 2011

رسالة من ابنة مجهولة ...لأب فارق الحياة






ليتني لم أذهب إلى ذلك المنزل  الذي عاش فيه ..ومنه غادرت روحه ....نعم ...لقد كنت هناك بين كتبه وصحفه .....بين جدرانه التي تتزين بها صوره مع وأولاده وأحفاده ...إنها صور أسرية جميلة ولكن ينقصها شئ واحد ...هو أنا ...
جلست على الأريكة ربما تكون هي ذاتها التي كان يجلس عليها في مواجهة صورة كبيرة له في شبابه ...عند هذا العمر توقف به الزمن في مخيلتي...بهذه الملامح  رسمته وضحكت معه وحادثته وقسوت عليه في أحلامي ...أما صور كهولته الأخرى فأجهلها ولم تراها عيناي قبل اليوم.. فلقد عجز عن رسمها خيالي ...
غلبتني دموعي  وفاضت رغماً عني ...وتركت العنان لمشاعري وبدأت في النحيب ...كنت أود الصراخ بأعلى صوتي تعبيرا عن ذلك البركان الذي يفور بداخلي ..وفجأة خرست ...حينما رجع لي رشدي ووجدت نظرات النساء تتجه إلي وتفترسني ..والتعجب يطل من رؤوسهن ويربُكني ...فقررت الهروب قبل أن يُفَتضح أمري وأقع فريسة لأسئلتهن ...فقمت أتحسس مكان خروجي ....ونزلت على سلم منزله يدور بي وأترنح عليه ....كيمامة تحتضر وتنازع النفس الأخير ..... 
غلبتني دموعي هناك يا أبتي ..وبكيت ...لانك سلبتني حتى حقي في أن أحزن عليك ... فتشت بداخلي عن رصيداً لك عندي من الذكريات فلم أجد منذ ان تركتني بالرابعة من عمري وهجرت بيتنا البسيط انا وأمي العاجزة...
 تركتنا فريسة في غابة من الذئاب بلا مأوى ولا رزق حتى ماتت أمي  وصرت أصارع الحياة وحدي يتيمة مكسورة و ضائعة ..
نسيت أن لك أبنة  ولم أنساك ابداً حتى في نومي وأحلامي ...وقفت اياماًُ ..وشهوراً..وسنين طويلة.. أطل من نافذتي المكسورة ...أنتظرك ...ربما يدفعك الحنين إلى ..ربما يجلبك ذلك الإحساس الفطري بالأبوة ...كنت أنتظرك ...و أحمل لك بداخلي لوم وعتاب الأبنة المحبة..... ومع ذلك...صدقني ... كنت أنتوي لك الغفران بمجرد أن تضمني إلى صدرك  وتربت على كتفي وتمسح دموعي بيدك...
بحثت عنك فلم أجد لك طريق ...ربما نسيت أنت عنوان منزلنا  ...ربما سقطت والدتي من ذاكرتك سهواً وسقطت أنا بالتبعية..... وقرأت فقط بالأمس نعي موتك... وأتيت تجرني قدماي ...يدفعني ضعف قلبي إليك...مخادعة نفسي : ربما تكون تلك حيلة تستجلبني بها إليك ...ربما تذكرتني ...ربما أفاقت أبوتك ورغبت في أن تهتدي إلي وتضمني ...
وذهبت هناك ...ولكنك كنت قد سبقتني ورحلت بجسدك...ورغم رحيلك ...رأيتك هناك ...في عيون أحبابك.وأولادك...الكل هناك يبكي فراقك ....حتى جدران بيتك كانت كئيبة لموتك و حزينة ...لقد كانت أوفر مني حظاً...عشت بينها وضمتك وألفتها...ربما تكون أطلعتها على أسرارك !!!! ...ربما أخبرتها عني؟؟!!...وقررت أن أهمس لها سراً ربما تعرفني ...ولكنها للأسف تنكرت لي وكذبتني ...  
وقررت حينها ...اني لن أنسبك اليوم إلى نفسي ولن أعلن عن هويتي ...فليس لي حق فيك بعد مماتك مثلما سلبتني حقي فيك في حياتك ..
لذا لا تطلب مني اليوم أن ادعو لك بالرحمة والغفران ...ولا تطالبني بالصُفح غداً حينما نمتثل بين يدي الرحمن ...
فاعذرني ...ولا تلومني لجهلي ...
فأنت يا أبتي ...لم تلقنني يوماً في حياتك معان الرحمة والغفران...!!!!
بقلم مهند فوده

هناك 5 تعليقات:

  1. جميله . بس قاسيه اوى . بس فعلا بعض الأطفال الصغيرين اللى مش فاهمين معنى الموت بيبقوا زعلانين جدا من
    بباهم لما يموت . بيفتكروا انه اختار انه يسيبهم.

    ردحذف
  2. يالله يا بشمهندس قد ايه هى مؤلمه اوى يمكن عشان انا مريت بمشاعر فقدان اب بس انها تفقد اب كانت منتظره رجوعه قد ايه الموضوع قاسى ايه .ربنا يرحم آبائنا ويرحم موتانا يارب .فعلا كل يوم الواحد بيحس قيمة اهله ووجودهم جمبه .بالتوفيق يا بشمهندس وربنا يوفق حضرتك

    ردحذف
  3. جميلة جدا يا باشمهندس ...واعتقد ان البنت دي غصب عنها هتطلب له الرحمه وتدعيله ومش عارفه ليه !!
    بالتوفيق

    ردحذف
  4. محمد سمير عبد العظيم29 أكتوبر 2011 في 1:07 م

    جميلة جدا يا بشمهندس, ولكنها قاسيه, لكن في العالم الواقعي فعلا المشاعر تكون كما رصدتها, و اكيد معظمنا مر بهذا الموقف سواء بطريقة مباشره او غير مباشره, فـ يارب ارحم ابائنا و ادخلهم فسيح جناتك, و الي الامام دائما يا بشمهندس و استمر في ابداعاتك.

    ردحذف
  5. جميلة ومؤثرة جدا يا بشمهندس
    ربنا يرحم جميع اموات المسلمين يا اا رب

    ردحذف